الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ لِيَذْكُرُوهُ وَيَشْكُرُوهُ وَيَعْبُدُوهُ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَلِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا كَمَا أَرْسَلَ كُلَّ رَسُولٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وَقَالَ تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الرُّسُلَ كُلَّهُمْ بِهَذَا وَأَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ. فَقال: {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وَقَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}. قَالَ قتادة: أَيْ دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ. وَرَبُّكُمْ رَبٌّ وَاحِدٌ. وَالشَّرِيعَةُ مُخْتَلِفَةٌ. وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاكُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أَيْ دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وقتادة وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بَيَّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ وَمَا يَأْتُونَ. ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ سَنَةً وَاحِدَةً. وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ. والْأُمَّةُ الْمِلَّةُ. وَالطَّرِيقَةُ كَمَا قَالَ تعالى: {قَالُوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}- مُقْتَدُونَ كَمَا يُسَمَّى الطَّرِيقُ إمَامًا. لِأَنَّ السَّالِكَ فِيهِ يَأْتَمُّ بِهِ فَكَذَلِكَ السَّالِكُ يَؤُمُّهُ وَيَقْصِدُهُ. والْأُمَّةُ أَيْضًا مُعَلِّمُ الْخَيْرِ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ النَّاسُ. كَمَا أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ النَّاسُ. وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَهُ اللَّهُ إمَامًا. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ {كَانَ أُمَّةً}وَأَمَرَ اللَّهُ الرُّسُلَ أَنْ تَكُونَ مِلَّتُهُمْ وَدِينُهُمْ وَاحِدًا. لَا يَتَفَرَّقُونَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: {إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ} وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} وَلِهَذَا كَانَ جَمِيعُ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. لَا يَخْتَلِفُونَ مَعَ تَنَوُّعِ شَرَائِعِهِمْ. فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُطَاعِينَ- مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ- مُتَّبِعًا لِلرُّسُلِ: أَمَرَ بِمَا أَمَرُوا بِهِ. وَدَعَا إلَى مَا دَعَوْا إلَيْهِ. وَأَحَبَّ مَنْ دَعَا إلَى مِثْلِ مَا دَعَا إلَيْهِ. فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ. فَيُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا قَصْدُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ يَدْعُو إلَى ذَلِكَ: فَهَذَا يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُطَاعُ الْمَعْبُودُ. فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ حَالِ فِرْعَوْنَ وَأَشْبَاهِهِ. فَمَنْ طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ دُونَ اللَّهِ: فَهَذَا حَالُ فِرْعَوْنَ. وَمَنْ طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ مَعَ اللَّهِ: فَهَذَا يُرِيدُ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ: أَنْ لَا يُعْبَدَ إلَّا إيَّاهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الدِّينُ إلَّا لَهُ وَأَنْ تَكُونَ الْمُوَالَاةُ فِيهِ وَالْمُعَادَاةُ فِيهِ. وَأَنْ لَا يُتَوَكَّلَ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَعَانَ إلَّا بِهِ. فَالْمُؤْمِنُ الْمُتَّبِعُ لِلرُّسُلِ: يَأْمُرُ النَّاسَ بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ لَا لَهُ. وَإِذَا أَمَرَ أَحَدٌ غَيْرُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ: أَحَبَّهُ وَأَعَانَهُ وَسُرَّ بِوُجُودِ مَطْلُوبِهِ. وَإِذَا أَحْسَنَ إلَى النَّاسِ فَإِنَّمَا يُحْسِنُ إلَيْهِمْ: ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى. وَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ بِأَنْ جَعَلَهُ مُحْسِنًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُسِيئًا فَيَرَى أَنَّ عَمَلَهُ لِلَّهِ وَأَنَّهُ بِاَللَّهِ. وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ مُحْتَاجُونَ إلَيْهَا أَعْظَمَ مِنْ حَاجَتِهِمْ إلَى أَيْ شَيْءٍ. وَلِهَذَا فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا. فَإِنَّ فِيهَا {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. فَالْمُؤْمِنُ يَرَى: أَنَّ عَمَلَهُ لِلَّهِ لِأَنَّهُ إيَّاهُ يَعْبُدُ وَأَنَّهُ بِاَللَّهِ. لِأَنَّهُ إيَّاهُ يَسْتَعِينُ. فَلَا يَطْلُبُ مِمَّنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا. لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ لَهُ مَا عَمِلَ لِلَّهِ كَمَا قَالَ الْأَبْرَارُ {إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} وَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَا يُؤْذِيهِ. فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَانُّ عَلَيْهِ إذْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْإِحْسَانِ. وَأَنَّ الْمِنَّةَ لِلَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ. فَعَلَيْهِ هُوَ: أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ. إذْ يَسَّرَهُ لِلْيُسْرَى. وَعَلَى ذَلِكَ: أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ. إذْ يَسَّرَ لَهُ مَنْ يُقَدِّمُ لَهُ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ رِزْقٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ نَصْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ النَّاسِ: مَنْ يُحْسِنُ إلَى غَيْرِهِ لِيَمُنَّ عَلَيْهِ أَوْ يَرُدَّ الْإِحْسَانَ لَهُ بِطَاعَتِهِ إلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِ أَوْ نَفْعِ آخَرَ. وَقَدْ يَمُنُّ عَلَيْهِ. فَيَقُولُ: أَنَا فَعَلْت بِك كَذَا. فَهَذَا لَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ وَلَمْ يَسْتَعِنْهُ. وَلَا عَمِلَ لِلَّهِ وَلَا عَمِلَ بِاَللَّهِ. فَهُوَ الْمُرَائِي. وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ صَدَقَةَ الْمَنَّانِ وَصَدَقَةَ الْمُرَائِي. قَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.قَالَ قتادة {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَقِينًا وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْكَلْبِيُّ. قِيلَ: يُخْرِجُونَ الصَّدَقَةَ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُهُمْ. عَلَى يَقِينٍ بِالثَّوَابِ وَتَصْدِيقٍ بِوَعْدِ اللَّهِ. يَعْلَمُونَ: أَنَّ مَا أَخْرَجُوهُ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا تَرَكُوهُ. قُلْت: إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُحْتَسِبًا لِلْأَجْرِ عِنْدَ اللَّهِ مُصَدِّقًا بِوَعْدِ اللَّهِ لَهُ: طَالِبٌ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْ الَّذِي أَعْطَاهُ فَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: أَعْطِ مَمَالِيكك هَذَا الطَّعَامَ وَأَنَا أُعْطِيك ثَمَنَهُ؛ لَمْ يَمُنَّ عَلَى الْمَمَالِيكِ. لاسيما إذَا كَانَ يَعْلَمُ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْإِعْطَاءِ.فصل:الْفَرْقُ السَّادِسُ:أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا يُبْتَلَى بِهِ الْعَبْدُ مِنْ الذُّنُوبِ الْوُجُودِيَّةِ- وَإِنْ كَانَتْ خَلْقًا لِلَّهِ- فَهُوَ عُقُوبَةٌ لَهُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ لَهُ. وَفَطَرَهُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَدَلَّهُ عَلَى الْفِطْرَةِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَقَالَ تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.فَهُوَ لَمَّا لَمْ يَفْعَلْ مَا خُلِقَ لَهُ وَمَا فُطِرَ عَلَيْهِ وَمَا أُمِرَ بِهِ- مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ. وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ- عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ زَيَّنَ لَهُ الشَّيْطَانُ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي. قَالَ تَعَالَى لِلشَّيْطَانِ: {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وَقَالَ تعالى: {إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}. وَقَالَ تعالى: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ}. فَقَدْ تَبَيَّنَ: أَنَّ إخْلَاصَ الدِّينِ لِلَّهِ: يَمْنَعُ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ وَمِنْ وِلَايَةِ الشَّيْطَانِ الَّتِي تُوجِبُ الْعَذَابَ. كَمَا قَالَ تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. فَإِذَا أَخْلَصَ الْعَبْدُ لِرَبِّهِ الدِّينَ: كَانَ هَذَا مَانِعًا لَهُ مِنْ فِعْلِ ضِدِّ ذَلِكَ وَمِنْ إيقَاعِ الشَّيْطَانِ لَهُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ. وَإِذَا لَمْ يُخْلِصْ لِرَبِّهِ الدِّينَ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا خُلِقَ لَهُ وَفُطِرَ عَلَيْهِ: عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَ مِنْ عِقَابِهِ:تَسَلُّطُ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَيِّنَ لَهُ فِعْلَ السَّيِّئَاتِ. وَكَانَ إلْهَامُهُ لِفُجُورِهِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ. وَعَدَمُ فِعْلِهِ لِلْحَسَنَاتِ: لَيْسَ أَمْرًا وُجُودِيًّا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ بَلْ هُوَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ. لَكِنْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ: عَدِمَ مَا خُلِقَ لَهُ وَمَا أُمِرَ بِهِ. وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَمْرٍ عَدَمِيٍّ. لَكِنْ بِفِعْلِ السَّيِّئَاتِ لَا بِالْعُقُوبَاتِ- الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ- بِالنَّارِ وَنَحْوِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ عَدَمِ الْمَأْمُورِ: هَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ: لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَدَمٌ مَحْضٌ. وَيَقُولُونَ: إنَّمَا يُعَاقَبُ عَلَى التَّرْكِ. وَهَذَا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ. وَطَائِفَةٌ- مِنْهُمْ: أَبُو هَاشِمٍ- قَالُوا: بَلْ يُعَاقَبُ عَلَى هَذَا الْعَدَمِ. بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ كَمَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِ الذُّنُوبِ بِالنَّارِ وَنَحْوِهَا. وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ: هُوَ أَمْرٌ وَسَطٌ. وَهُوَ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى هَذَا الْعَدَمِ بِفِعْلِ السَّيِّئَاتِ لَا بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا. وَلَا يُعَاقِبُهُ عَلَيْهَا حَتَّى يُرْسِلَ إلَيْهِ رَسُولَهُ. فَإِذَا عَصَى الرَّسُولَ: اسْتَحَقَّ حِينَئِذٍ الْعُقُوبَةَ التَّامَّةَ. وَهُوَ أَوَّلًا: إنَّمَا عُوقِبَ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ شَرِّهِ بِأَنْ يَتُوبَ مِنْهُ.أَوْ بِأَنْ لَا تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ. وَهُوَ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَشْتَغِلُ بِمَا يَنْفَعُهُ بَلْ بِمَا هُوَ سَبَبٌ لِضَرَرِهِ وَلَكِنْ لَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ قَلَمٌ الْإِثْمَ حَتَّى يَبْلُغَ. فَإِذَا بَلَغَ عُوقِبَ. ثُمَّ مَا تَعَوَّدَهُ مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ: قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِمَعْصِيَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ لَمْ يُعَاقَبْ إلَّا عَلَى ذَنْبِهِ. وَلَكِنَّ الْعُقُوبَةَ الْمَعْرُوفَةَ: إنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا اشْتِغَالُهُ بِالسَّيِّئَاتِ: فَهُوَ عُقُوبَةُ عَدَمِ عَمَلِهِ لِلْحَسَنَاتِ. وَعَلَى هَذَا: فَالشَّرُّ لَيْسَ إلَى اللَّهِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ. فَإِنَّهُ- وَإِنْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ- فَخَلْقُهُ لِلطَّاعَاتِ: نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَخَلْقُهُ لِلسَّيِّئَاتِ: لَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَهُوَ- مَعَ هَذَا- عَدْلٌ مِنْهُ فَمَا ظَلَمَ النَّاسَ شَيْئًا. وَلَكِنَّ النَّاسَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ. وَظُلْمُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ نَوْعَانِ: عَدَمُ عَمَلِهِمْ بِالْحَسَنَاتِ. فَهَذَا لَيْسَ مُضَافًا إلَيْهِ. وَعَمَلُهُمْ لِلسَّيِّئَاتِ: خَلَقَهُ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ الَّتِي خَلَقَهُمْ لَهَا وَأَمَرَهُمْ بِهَا. فَكُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ. وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ.وَمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ: تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ عَامَّةَ مَا يَذْكُرُهُ اللَّهُ فِي خَلْقِ الْكَفْرِ وَالْمَعَاصِي يَجْعَلُهُ جَزَاءً لِذَلِكَ الْعَمَلِ. كَقَوْلِهِ تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وَقَالَ تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ: بَذَلُوا فِيهِ أَعْمَالًا عَاقَبَهُمْ بِهَا عَلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ وَتَرْكٍ مَأْمُورٍ. وَتِلْكَ الْأُمُورُ إنَّمَا كَانَتْ مِنْهُمْ وَخُلِقَتْ فِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَفْعَلُوا مَا خُلِقُوا لَهُ. وَلابد لَهُمْ مِنْ حَرَكَةٍ وَإِرَادَةٍ. فَلَمَّا لَمْ يَتَحَرَّكُوا بِالْحَسَنَاتِ: حُرِّكُوا بِالسَّيِّئَاتِ عَدْلًا مِنْ اللَّهِ. حَيْثُ وَضَعَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ فِي مَحَلِّهِ الْقَابِلِ لَهُ- وَهُوَ الْقَلْبُ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا عَامِلًا- فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ الْحَسَنَةَ اُسْتُعْمِلَ فِي عَمَلِ السَّيِّئَةِ. كَمَا قِيلَ: نَفْسُك إنْ لَمْ تَشْغَلْهَا شَغَلَتْك. وَهَذَا الْوَجْهُ- إذَا حُقِّقَ- يَقْطَعُ مَادَّةَ كَلَامِ الْقَدَرِيَّةِ الْمُكَذِّبَةِ وَالْمُجْبِرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ. وَيَجْعَلُونَ خَلْقَهَا وَالتَّعْذِيبَ عَلَيْهَا ظُلْمًا. وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ خَلَقَ كُفْرَ الْكَافِرِينَ وَمَعْصِيَتَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَا لِسَبَبِ وَلَا لِحِكْمَةِ.فَإِذَا قِيلَ لِأُولَئِكَ: إنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَهُمْ فِي تِلْكَ الذُّنُوبِ وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ: عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ. فَمَا ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ هُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ. يُقَالُ: ظَلَمْته إذَا نَقَصْته حَقَّهُ. قَالَ تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}. وَكَثِيرٌ مِنْ أُولَئِكَ يُسَلِّمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَكُونُ جَزَاءً لَهُ عَلَى عَمَلٍ مِنْهُ مُتَقَدِّمٌ. وَيَقُولُونَ: إنَّهُ خَلَقَ طَاعَةَ الْمُطِيعِ. فَلَا يُنَازِعُونَ فِي نَفْسِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. لَكِنْ يَقُولُونَ: مَا خَلَقَ شَيْئًا مِنْ الذُّنُوبِ ابْتِدَاءً بَلْ إنَّمَا خَلَقَهَا جَزَاءً لِئَلَّا يَكُونَ ظَالِمًا. فَنَقُولُ: أَوَّلُ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ مِنْ الذُّنُوبِ: هُوَ أَحْدَثُهُ لَمْ يُحْدِثْهُ اللَّهُ. ثُمَّ مَا يَكُونُ جَزَاءً عَلَى ذَلِكَ: فَاَللَّهُ مُحْدِثُهُ. وَهُمْ لَا يُنَازِعُونَ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: يُوَافِقُونَ عَلَيْهِ. لَكِنْ يَقُولُونَ: أَوَّلُ الذُّنُوبِ لَمْ يُحْدِثْهُ اللَّهُ بَلْ يُحْدِثْهُ الْعَبْدُ لِئَلَّا يَكُونَ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ ظُلْمًا. وَمَا ذَكَرْنَاهُ: يُوجِبُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. فَمَا حَدَثَ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. لَكِنْ أَوَّلُ الذُّنُوبِ الْوُجُودِيَّةِ: هُوَ الْمَخْلُوقُ. وَذَاكَ عُقُوبَةٌ عَلَى عَدَمِ فِعْلِ الْعَبْدِ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَلِمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ. وَهَذَا الْعَدَمُ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ. وَلَيْسَ بِشَيْءِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي قَوْلِنَا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وَمَا أَحْدَثَهُ مِنْ الذُّنُوبِ الْوُجُودِيَّةِ فَأَوَّلُهَا: عُقُوبَةٌ لِلْعَبْدِ عَلَى هَذَا الْعَدَمِ. وَسَائِرُهَا: قَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً لِلْعَبْدِ عَلَى مَا وَجَدَ. وَقَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْعَدَمِ. فَمَا دَامَ لَا يُخْلِصُ لِلَّهِ الْعَمَلَ: فَلَا يَزَالُ مُشْرِكًا. وَلَا يَزَالُ الشَّيْطَانُ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ. ثُمَّ تَخْصِيصُهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ هَدَاهُ- بِأَنْ اسْتَعْمَلَهُ ابْتِدَاءً فِيمَا خُلِقَ لَهُ وَهَذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ- هُوَ تَخْصِيصٌ مِنْهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلِهَذَا يقول الله: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وَلِذَلِكَ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا كَمَا خَصَّ بَعْضَ الْأَبْدَانِ بِقُوَى لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَبِسَبَبِ عَدَمِ الْقُوَّةِ قَدْ تَحْصُلُ لَهُ أَمْرَاضٌ وُجُودِيَّةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حِكْمَتِهِ. وَبِتَحْقِيقِ هَذَا يَدْفَعُ شُبُهَاتِ هَذَا الْبَابِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.فصل:وَمِمَّا ذَكَرَ فِيهِ الْعُقُوبَةِ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ: قَوْله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وَهَذَا مِنْ تَمَامِ قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} الْآيَةَ فَذَكَرَ: أَنَّ هَذَا التَّقْلِيبَ إنَّمَا حَصَلَ لِقُلُوبِهِمْ لَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهَذَا عَدَمُ الْإِيمَانِ. لَكِنْ يُقَالُ: إنَّمَا كَانَ هَذَا بَعْدَ دَعْوَةِ الرَّسُولِ لَهُمْ وَهُمْ قَدْ تَرَكُوا الْإِيمَانَ وَكَذَّبُوا الرَّسُولَ. وَهَذِهِ أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ لَكِنْ الْمُوجِبَ لِلْعَذَابِ: هُوَ عَدَمُ الْإِيمَانِ. وَمَا ذَكَرَ شَرْطٌ فِي التَّعْذِيبِ بِمَنْزِلَةِ إرْسَالِ الرَّسُولِ. فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَغِلُ عَنْ الْإِيمَانِ بِمَا جِنْسُهُ مُبَاحٌ- مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبَيْعٍ وَسَفَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ- وَهَذَا الْجِنْسُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ إلَّا لِأَنَّهُ شَغَلَهُ عَنْ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: ضِدُّ الْإِيمَانِ هُوَ تَرْكُهُ. وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا ضِدَّ لَهُ إلَّا ذَلِكَ.
|